إطار شبابي جديد في موريتانيا "بين التشاور المحلي والتنسيق الوطني"

بواسطة abbe

الراجل عمر أبيليل استشاري في مجال الشباب

بمناسبة اختتام منتدى تمكين الشباب؛ 22 نوفمبر المنصرم بقصر المرابطون؛ أعلن فخامة رئيس الجمهورية؛ السيد : محمد ولد الشيخ الغزواني؛ قراره القاضي بحل ما أطلق عليه "المجلس الأعلى للشباب" في إشارة رسمية "للمجلس الوطني للشباب".
يبدو أن قرار الحل لاقى ترحيبا واسعا في صفوف غالبية الشباب المشاركين في فعاليات منتدى تمكين الشباب المنظم من قبل وزارة تمكين الشباب والتشغيل والرياضة والخدمة المدنية.
السؤال هنا ليس حول ترحيب الشباب بقرار الحل من عدمه؛ فهذه مسألة مزاجية لدى البعض استراتيجية إلى حد ما؛ لدى البعض الآخر.
"لكن من المهم الوعي بحقيقة مفادها أن المجلس الأعلى للشباب أو المجلس الوطني للشباب أيا تكن تسميته هو مكسب وطني لعموم الشباب الموريتاني؛ لذا يجب النظر إليه كمكسب حققه شباب الجمهورية بعد مسار طويل من النضالات والتضحيات التي لم تكن واردة في عرف الأنظمة السابقة بسبب طابور خامس ظل يحجب معاناة الشباب وتطلعاته حتى بروز الربيع العربي؛ فكانت بداية التحول الذي عرفه العام العربي وعلى غراره موريتانيا".
ومن هذا المنطلق فحل هيئة شبابية استشارية في بلد غالبية مواطنيه من فئة الشباب يجب أن يشكل مبدئيا صدمة لفئة الشباب مشاركين في المنتدى وغير مشاركين؛ لماذا؟ لأنه قد يترجم تراجعا في مساحة الاهتمام والإشراك الذي انتزعه الشباب.

هل يشكل الحل ترجعا أم فرصة لإعادة البداء؟
إن حل المجلس لاستبداله بجهاز شبابي استشاري آخر بمواصفات أكثر واقعية فهذا مؤشر جيد يستدعي ترحيب الشباب المشاركين في المنتدى والشباب على عموم التراب الوطني.
في هذا السياق يجب الإشارة ـ أيضا ـ إلى أنه رغم الصعوبات والتحديات التي واجهتها التشكيلات السابقة للمجلس الأعلى أولا والوطني لاحقا؛ لم يكن ذلك لعيوب كبيرة في التشكيلة في حد ذاتها، بقدر ما كان لعدم جاهزية البيروقراطية الإدارية في التعاطي مع الشباب واستيعاب إطار جديد خاص بالشباب؛ كشريك إستراتيجي؛ جدير بالشراكة والثقة التي مصدرها قرار صاحب الفخامة رئيس الجمهورية.
ولعل السؤال الذي يجب أن يشكل اهتمامنا كأصحاب مصلحة في مجال تمكين الشباب وغيورين على حاضر ومستقبل موريتانيا؛ هو بلورة إجابات ملموسة وقابلة للقياس لسؤالين إثنين: 
لماذا حل هذه الهيئة الشبابية الاستشارية في هذا التوقيت بالذات؟؛ وهل هندسة التمكين الجديدة أخذت في الحسبان مبررات الحل؛ الذي حدث في عز منتدى شبابي احتفائي يبث على المباشر؟


الحل؛ لماذا الآن؟
لطالما شكلت تشكيلة المجلس الوطني أو الأعلى كما ـ فضل الرئيس تسميته ـ نقطة استقطاب حاد في مختلف الدوائر الرسمية للدولة: سياسية؛ قبلية؛ جهوية وحتى عسكرية؛ لذا لم يسلم في إحدى مراحله من محاولات قطاع الشباب للوصاية عليه أو الذراع الشبابية للحزب للخيرة في مناصب مكتبه التنفيذي أو جمعيته العمومية؛ هذا إلى جانت طابور آخر من الشباب مسنودين بطبقات مختلف من النفوذ باحثين عن مواطئ قدم في الهيئة الشبابية الوحيدة التي تقع تحت وصاية رئاسة الجمهورية!
هذا الاستقطاب الحاد أفقد تشكله المجلس الدعم من الداخل والإسناد من الخارج؛ ذاك الدعم والمناصرة التي تحتاجهما مؤسسة شبابية وليدة تحاول لملمة وجودها في محيط داخلي وخارجي مضطرب.
الاستقطاب؛ لا يستبعد دوره المباشرة أو غير المباشر في تحضير ظروف الحل وطرح بدائل جديدة على طاولة صناعة القرار الرئاسي.
وبغض النظر عن هذا التحليل الذي قد يبدو انطباعيا لدى البعض؛ إلا أنه يبقى سياقا سياسيا؛ ثقافيا؛ اجتماعيا؛ أمنيا واقتصاديا يلقي بظلاله على معالجة ملف الشباب؛ وخاصة إشكالية تمكينه وفي غز مأموريته الشباب.
إن الزيارات الميدانية التي أجراها فخامته لعموم التراب الوطني في مناسبات مختلفة كان لها الدور الكبير في إلهام فخامته؛ بل وبلورة رؤيته الجديدة حول تسريع لا مركزية تمكين الشباب.
ثم إن قرار فخامته القاضي بأفق إنشاء أجهزة للتشاور المحلي لتصب في قالب وطني أطلق عليه "الهيئة الفنية للتنسيق" تنقل إليها صلاحيات المجلس؛ كل ذلك هو ترجمة لهندسته الجديدة في مجال التمكين؛ فما هي إذا ملامح الإطار الشبابي الجديد؟؛ وما هي فرص نجاحه؟؛ وما هي التحديات التي قد تعيده لا قدر الله لنقطة الصفر؟

الرؤية الجديدة: من المركزية إلى التشاور المحلي. 
صاحب الفخامة أكد في خطابه آنف الذكر؛ أن المرحلة الجديدة من تمكين الشباب تحمل في طياتها تشكيلتين رئيستين للنهوض بالهم الشباب وحمل لواء تمكينه على المستويين المحلي والوطني.
يتعلق الأمر ب"جمعيات عمومية محلية" هدفها التحسيس والتعبئة والتشاور المحلي للقيام بتشخيص مشاكل الشباب والتحديات التي تعوق تمكينه في مختلف مجالات اهتمامه؛ ورفع تقارير قاعدية موضوعاتي؛ حول حالة الشباب في كل ولاية وذلك في المرحلة الأولى من عمل الإطار التشاوري المحلي المرتقب. 
في المرحلة الثانية يتعلق الأمر ب"هيئة فنية للتنسيق" على المستوى الوطني وسيكون من مهاما مراجعة وتحليل وبرمجة مخرجات تقارير الجمعيات العمومية ذات الطبيعة التشاورية؛ بهدف بلورة مشاريع قرارات قابلة للتنفيذ والقياس سعي إدراجها في السياسات العمومية كحلول قطاعية.

 

ميزات الإطار الجديد: نحو تمكين فعلي
تغطي الديناميكية الجديدة التي أقرها صاحب الفخامة وجود "جهاز استشاري محلي"؛ الشيء الذي لم يتسن للمجالس السابقة إطلاقه تارة بسبب عدم توفر الموارد المالية وأخرى بسبب ضعف التعاطي من قبل المنظومة بشكل عام.
الإطار الشبابي الجديد الذي أعلن عنه صاحب الفخامة يمكن أن يستفيد من ميزات تفضيلية تجنبه استقطابات جهوية؛ قبلية وحتى بيروقراطية.
كأن يتم وضع معايير موضوعية لاختيار أعضائه بناء على طبيعة المهمة وحاجة الولاية وكذا المهارات الجديدة التي تتطلبها مهمة يراد لها أن تصنع تحولا في مفهوم التمكين الشبابي ونتائج على الأرض.
كذلك كأن؛ ترافق مكونة التكوين والمصاحبة إنشاء هذا الإطار الجديد حتى نجنب التجربة الجديدة أعباء فرص تنموية كثيرة ضائعة تارة بسبب غياب الرؤية وأخرى بسبب غياب الخبرة أو التجربة في عدد من الميادين الحيوية؛ الشيء الذي سيجعل من الإطار الشبابي الجديد أداة فعلية للقرب وتوطين للحلول التنموية.

التحديات المحتملة: ما الذي قد يعرقل النجاح؟
الإطار الشبابي الجديد في تشكيلتيه الاستشارية والتنسيقية لن يسلم من جملة تحديات يجب أخذها في الحسبان؛ وفي مقدمتها نظرة منظومة البيروقراطية الإدارية في مستويها المحلي والوطني للشباب من حيث أحقيتهم بالثقة والشراكة في تصور وصياغة مستقبل موريتانيا الجديدة.
ضعف الوعي المحلي والوطني بأهمية دور الشباب وضرورة تتجاوز النظرة التقليدية التي تجعل منه رهانا تنمويا مؤجلا؛ امر يستدعي عملا هيكليا محليا ووطنا تديره قيادات شبابه وتوجهه رؤية استشرافية وطنية مشتركة؛ ويسنده مجتمع قرر أن يختار معركة التنمية؛ لا أن تفرض عليه.
ثم إن الفهم الضيق لمسألة تمكين الشباب حتى لدى عدد من النخب الشبابية التي تختصر التمكين في جزئية التعيين والحصول على امتيازات عابرة هو أحد هذه التحديات المحتملة.

ختاما؛ التطور الجديد في هندسة تمكين الشباب يمثل فرصة تاريخية لإعادة صياغة العلاقة بين الدولة وشبابها؛ ويتوقف نجاحه على مستقبل التشاور المحلي؛ موضوغية معايير الاختيار؛ احترافية إطار التنسيق؛ وكذا استعداد الشباب أنفسهم لقيادة معركة التنمية بعقلية جديدة بعيدا عن الاستقطاب؛ وذلك من خلال نقل معركة التنمية من الخطاب إلى الميدان.

الراجل عمر أبيليل استشاري في مجال الشباب