محاولة الانقلاب في بنين.. ارتباك داخلي وصراع نفوذ إقليمي يعيدان رسم ملامح الصراع في المنطقة

بواسطة abbe

التيار (نيامي) - شهدت بنين واحدة من أكثر اللحظات السياسية اضطرابا في تاريخها الحديث، بعد ظهور مجموعة من العسكريين فجر الأحد على شاشة التلفزيون الرسمي معلنين “إقالة الرئيس باتريس تالون” وحل مؤسسات الدولة، فيما وصفوه بـ“إعادة التأسيس”.

ورغم تمكن المجموعة من السيطرة على التلفزيون لفترة وجيزة، فإن المشهد سرعان ما اتخذ منحى معاكسا حين أكدت مصادر رسمية وعسكرية أن الرئيس في أمان، وأن الجيش النظامي استعاد السيطرة على الوضع، مع بداية حملة توقيفات طالت عدداً من الجنود المشتبه في مشاركتهم في المحاولة.

الغموض الذي لف الساعات الأولى كان نتيجة التناقض بين ما بثه الانقلابيون وما أكدته الجهات المقربة من الرئيس، حيث تحدثت الأخيرة عن أن المتمردين “لا يملكون سوى التلفزيون”، وأن العاصمة كوتونو وبقية المناطق الحيوية “مؤمّنة بالكامل”.

ومع ذلك، أفادت مصادر ميدانية باستمرار سماع إطلاق نار متقطع، ما أظهر أن الحادث لم يكن منسقا على نطاق واسع، بل أقرب إلى تحرك معزول أراد استغلال لحظة إقليمية متوترة تزايدت فيها الانقلاب المناهضة لفرنسا، في غرب إفريقيا.

المبررات التي ساقتها المجموعة العسكرية، والمتعلقة بسوء الحكم والفساد، ليست جديدة على الساحة السياسية في بنين، حيث تراكمت خلال السنوات الماضية انتقادات لتضييق الحريات ومركزية القرار داخل دائرة ضيقة تدور حول الرئيس وتكتل اقتصادي نافذ.

هذه الخلفيات تجعل المحاولة مفهومة من زاوية الاحتقان الداخلي، لكنها في الوقت نفسه تطرح سؤالا عن سبب محدودية المشاركة العسكرية، إذ بدا واضحا أن قادة وحدات الجيش الأساسية ظلوا موالين للسلطة القائمة، ما سمح بإفشال التحرك خلال وقت قصير.

في المقابل، أظهرت ردود الفعل الإقليمية حجم الصراع في المنطقة، ففي حين رحب عدد من النخب المحسوبة على دول الساحل الثلاث بالمحاولة الانقلابية، جاء الرد سريعا وحاسما، من مجموعة إيكواس التي أدانت المحاولة واعتبرتها “انحرافا خطيرا عن المسار الدستوري”، معلنة استعدادها لدعم الشرعية “بكل الوسائل الضرورية”، كما أصدرت السفارة الفرنسية تحذيرات لرعاياها بعد تسجيل إطلاق نار قرب منزل الرئيس، في مؤشر إلى حجم الاستنفار الفرنسي لمتابعة التطورات.

هذه المواقف تعكس الأهمية الجيوسياسية لبنين، التي تشكل اليوم أحد مرتكزات النفوذ الغربي في غرب إفريقيا بعد خروج فرنسا من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهو ما يجعل أي اضطراب سياسي فيها محل متابعة دقيقة من القوى الدولية والإقليمية.

الرئيس البنيني باتريس تالون خرج بعد ساعات من المحاولة ليصف ما حدث بـ“الجريمة التي لن تمر دون عقاب”، مؤكدا أن الجيش ظل جمهوريا ووفيا للدستور.

تصريحات تالون جاءت في سياق رغبة واضحة في إظهار تماسك الدولة ومؤسساتها، وطمأنة الداخل والخارج بأن الوضع بات تحت السيطرة الكاملة.

وبالتوازي مع ذلك، تم الإعلان عن توقيف نحو اثني عشر عسكريا، بينما تتواصل عمليات تأمين المواقع الحساسة، في تحرك يوحي بأن السلطات ترغب في إنهاء آثار الحادث سريعا قبل أن يتحول إلى موجة اضطرابات أوسع.

خلف الصورة الآنية، تكشف المحاولة الانقلابية عن عمق الإشكاليات السياسية والاقتصادية في بنين، حيث يتهم جزء من النخبة والرأي العام الرئيس تالون بالارتهان للخارج، لا سيما لفرنسا وشبكة مصالح “فرانس أفريك”، وبإدارة البلاد عبر تحالف اقتصادي عابر للحدود لا يعكس مصالح المواطنين بقدر ما يخدم توازنات إقليمية ودولية.

هذا الواقع يفسر أيضا غياب التفاعل الشعبي الكبير مع المحاولة الانقلابية، ليس دعما للنظام، بل تعبيرا عن صدمة اللحظة وغياب قوى سياسية أو شبابية قادرة على تحويل الغضب إلى فعل منظم.

وبين الضغوط الداخلية والارتدادات الإقليمية، تبدو بنين مقبلة على مرحلة ستتجاوز حدود المحاولة الفاشلة، إذ سيبقى الجدل قائما حول مستقبل العلاقة بين السلطة والمجتمع، وبين الجيش والنظام السياسي، وبين الدولة ومحيطها الإقليمي المتغير، خاصة في ظل التحضير للانتخابات الرئاسية المقررة بعد خمسة أشهر، دون مشاركة الرئيس الحالي للبلاد.


ويرى مراقبون أن الحكومة مالم تتجه نحو إصلاحات جدية تعالج أسباب الاحتقان، فإن الأحداث الأخيرة قد تكون مجرد مقدمة لتحولات أعمق في المشهد البنيني، في بلد بات على خط تماس بين معركة النفوذ في غرب إفريقيا وصراع الداخل حول شكل الدولة ومستقبلها.